الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم أنعم السلطان على سودون بن زادة بإمرة عشرة بعد موت الأمير طوغان الشاطر. ثم نزل السلطان وعاد الأمير قلمطاي الدوادار ففرش قلمطاي تحت حوافر فرسه الشقق الحرير مشى عليها السلطان من باب داره حتى نزل بالقصر فمشى من باب القصر على الشقق النخ المذهب حتى جلس فقدم إليه طبقًا فيه عشرة آلاف دينار وخمسًا وعشرين بقجة قماش وتسعة وعشرين فرسًا ومملوكًا تركيا بديع الحسن فقبل الملك الظاهر ذلك كله ورجع إلى القلعة وفي حال رجوعه قدم عليه الخبر بأن تيمورلنك سار من سمرقند إلى بلاد الهند وأنه ملك مدينة دلي. ثم في يوم الخميس العشرين من شهر جمادى الأولى خلع السلطان على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد الملطي باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد موت شمس الدين محمد الطرابلسي بعد ما شغر قضاء الحنفية بمصر مائة يوم وأحد عشر يومًا حتى طلب جمال الدين المذكور لها من حلب وقدم على البريد. قلت: هكذا تكون ولاية القضاء. ثم أنعم السلطان على الأمير علي باي بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن الأمير تنبك الأمير آخور بعد موته. ثم بعد أيام أنعم على الأمير يشبك العثماني بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت الأمير قلمطاي العثماني الدوادار وأنعم على الأمير أسنبغا العلائي الدوادار الثاني بطبلخاناه الأمير بكتمر الركني وكان بكتمر المذكور أخذ طبلخاناه الأمير علي باي المنتقل إلى تقدمة تنبك الأمير آخور. وفي يوم تاسع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على جماعة من الأمراء بعدة وظائف فخلع على الوالد باستقراره أمير سلاح عوضًا عن بكلمش العلائي بعدما شغرت أشهرًا وعلى الأمير اقبغا الطولوتمري الظاهري المعروف باللكاش بآستقراره أمير مجلس عوضًا عن بيبرس ابن أخت السلطان وعلى نوروز الحافظي رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخورًا كبيرًا بعد موت الأمير تنبك وعلى الأمير بيبرس ابن أخت السلطان باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن الأمير قلمطاي بعد موته وعلى الأمير علي باي الخازندار باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن نوروز الحافظي وعلى يشبك الشعباني باستقراره خازندارًا عوضًا عن علي باي المذكور. ثم في ليلة الجمعة ثامن شعبان أمسك السلطان الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي وأمسك أخاه ناصر الدين محمدًا والي القاهرة وجماعة من ألزامه وأوقع الحوطة على دورهم وتسلمه الأمير يلبغا الأحمدي المجنون الأستادار ليخلص منه الأموال فأخذه يلبغا وتوجه به إلى دار ابن الطبلاوي وأخذ منها مالًا وقماشًا بنحو مائة وستين ألف دينار. ثم أخذ منها أيضًا بعد أيام ألفًا ومائة قفة فلوسًا وصرفها ستمائة ألف درهم ومن الدراهم الفضة خمسة وثمانين ألف درهم فضة. واستمر علاء الدين في المصادرة. وخلع السلطان على الأمير الكبير أيتمش البجاسي باستقراره في نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن ابن الطبلاوي المذكور ومن ثم بعد أيام طلب ابن الطبلاوي الحضور بين يدي السلطان فأذن له السلطان في ذلك فحضر في الحديد بعد أن عوقب أيامًا كثيرة وطلب من السلطان أن يدنيه منه فاستدناه حتى بقي من السلطان على قدر ثلاثة أذرع فقال له: " تكلم " قال: أريد أن أسار السلطان في أذنه فلم يمكنه من ذلك فألح عليه ابن الطبلاوي في مسارة السلطان في أذنه حتى استراب منه وأمر بإبعاده واستخلاص المال منه فأخذه يلبغا وأخرجه من مجلس السلطان إلى باب النجاس من القلعة حيث يجلس خواص الخدام الطواشية فجلس ابن الطبلاوي هناك ليستريح فضرب نفسه بسكين كانت معه ليقتل نفسه وجرح في موضعين من بدنه فمسكوه ومنعوه من قتل نفسه وأخفوا السكين منه. وبلغ السلطان ذلك فلم يشك أنه أراد الدنو من السلطان حتى يقتله بتلك السكين التي كانت معه فلما فاته السلطان ضرب نفسه فعند ذلك أمر السلطان بتشديد عقوبته فعاقبه يلبغا المجنون فدل على خبيئة فيها ثلاثون ألف دينار ثم أخرى فيها تسعون ألف دينار ثم أخرى فيها عشرون ألف دينار. ودام في العقوبة ثم نقله يلبغا المجنون إلى خزانة شمائل. ثم في خامس عشر شوال ختن السلطان الملك الظاهر ولديه الأمير فرجًا والأمير عبد العزيز وختن معهما عدة من أولاد الأمراء المقتولين منهم: ابن الأمير منطاش وغيره وأنعم عليهم بقماش وذهب. وعمل السلطان مهمًا عظيمًا بالقلعة للنساء فقط ولم يعمل للرجال مخافة على الأمراء من الكلف. وفي يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة عمل السلطان مهمًا عظيمًا بالميدان تحت القلعة سببه أنه لعب بالكرة مع الأمراء على العادة فغلب السلطان الأمير الكبير أيتمش البجاسي فلزم أيتمش عمل مهم بمائتي ألف درهم فضة كونه غلب فقام عنه السلطان بذلك وألزم السلطان به الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي والأمير يلبغا الأستادار. ونصبت الخيم بالميدان وعمل المهم وكان فيه من اللحم عشرون ألف رطل ومائتا زوج إوز وألف طائر من الدجاج وعشرون فرسًا ذبحت وثلاثون قنطارًا من السكر عملت حلوى ومشروبًا وثلاثون قنطارًا من الزبيب عملت أقسمًا وستون إردبًا دقيقًا لعمل البوزا وعملت المسكرات في دنان من الفخار. ونزل السلطان سحر يوم السبت المذكور وفي عزمه أن يقيم نهاره مع الأمراء والمماليك يعاقرهم الشراب فأشار عليه بعض ثقاته بترك ذلك وخوفه العاقبة فمد السماط وعاد إلى القصر قبل طلوع الشمس. وأنعم على كل من الأمراء المقدمين بفرس بقماش ذهب. وأذن السلطان للعامة في انتهاب ما بقي من الأكل والشراب. قال المقريزي: فكان يومًا في غاية القبح والشناعة أبيحت فيه المسكرات وتجاهر الناس فيه بالفواحش بما لم يعهد مثله وفطن أهل المعرفة بزوال الأمر فكان كذلك. ومن يومئذ انتهكت الحرمات بديار مصر وقل الاحتشام. انتهى كلام المقريزي.
لما كان يوم السبت تاسع عشر ذي القعدة من سنة ثمانمائة أوفى النيل وقدم أيضًا البريد بقتل سولي بن دلغادر أمير التركمان فركب السلطان بعد صلاة الظهر يريد المقياس ليخفقه ويفتح خليج السد على العادة ومعه جميع الأمراء إلا الأمير عليًا باي الخازندار فإنه كان انقطع بداره أيامًا وتمارض وفي باطن أمره أنه قصد الفتك بالسلطان فإنه علم أنه إذا نزل لفتح الخليج يدخل إليه ويعوده كما جرت به عادته مع الأمراء فدبر علي باي على السلطان وأخلى إسطبله من الخيل وداره من حريمه وأعد قومًا آختارهم من مماليكه. فتهيؤوا لذلك فرآهم شخص كان يسكن بأعلى الكبش من المماليك اليلبغاوية يسمى سودون الأعور فركب إلى الملك الظاهر في أثناء طريقه بعد تخليق المقياس وفتح خليج السد وأسر إليه أنه شاهد من سكنه مماليك علي باي وقد لبسوا آلة الحرب ووقفوا عند بوائك الخيل من إسطبله وستروا البوائك بالأنخاخ ليخفى أمرهم فقال السلطان: " اكتم ما معك " فلم يبد السلطان ذلك إلا لأكابر أمرائه. ثم أمر السلطان الأمير أرسطاي رأس نوبة أن يتوجه إلى دار علي باي ويعلمه أن السلطان يدخل إليه لعيادته فتوجه أرسطاي عادة وأعلم عليًا باي بذلك. فلما بلغ عليًا باي أن السلطان يعوده اطمأن وظن أن حيلته تمت. ووقف أرسطاي على باب علي باي ينتظر قدوم السلطان. وعندما بعث السلطان أرسطاي إلى علي باي أمر الجاويشية بالسكوت فسكتوا عن الصياح أمام السلطان. ثم أبعد السلطان العصائب السلطانية عنه وأيضًا السنجق الذي يحمل على رأس السلطان وتقدم عنهم حتى صار بينه وبين العصائب مدى بعيد من خلفه. وسار السلطان كآحاد الأمراء وسار حتى وافى الكبش وهو تجاه دار علي باي والناس قد اجتمعوا للفرجة على موكب السلطان فصاحت امرأة من أعلى الكبش على السلطان: لا تدخل فإنهم قد لبسوا لقتالك فحرك السلطان فرسه وأسرع في المشي ومعه الأمراء ومن ورائه المماليك الخاصكية يريد القلعة. وكان باب علي باي مردود الدرفتين وضبته مطرقة ليمنع الناس من الدخول إليه حتى يأتي السلطان فلما مر السلطان ولم يعلم به من ندبه علي باي لرؤية السلطان وإعلامه به حتى جاوزهم السلطان بما دبره السلطان من المكيدة بتأخير العصائب السلطانية والسنجق والجاويشية وتقدمه عنهم. ثم بلغ عليًا باي أن السلطان فاته فركب وبادر أحد أصحابه يريد فتح الضبة فأغلقها وإلى أن يحضر مفتاح الضبة ويفتحونها فاتهم السلطان وصار بينه وبينهم سد عظيم من الجمدارية والغلمان وغيرهم. فخرج علي باي ومن معه من أصحابه لابسين السلاح وعدتهم نحو الأربعين فارسًا يريدون السلطان وقد ساق السلطان ومعه الأمراء حتى دخل باب السلسلة وامتنع به. فوقف علي باي من معه تجاه باب السلسلة فنزل إليه في الحال طائفة من المماليك السلطانية لقتاله فقاتلهم وثبت لهم ساعة حتى جرح من الفريقين جماعة وقتل من المماليك السلطانية بيسق المصارع. ثم انهزم علي باي وتفرق عنه أصحابه وقد ارتجت مصر والقاهرة وركب يلبغا المجنون الأستادار ومعه مماليك لابسين يريد القلعة. وأرجف بقتل السلطان واشتد خوف الرعية وتشعب الذعر. ثم لبست المماليك السلطانية السلاح وأتى السلطان من كان غائبًا عنه من الأمراء والخاصكية وتحلقوه. فعندما طلع يلبغا الأحمدي المجنون الاستادار إلى السلطان وثب عليه الخاصكية واتهموه بموافقة علي باي لكونه جاء هو ومماليكه في أسرع وقت بآلة الحرب فأخذه اللكم من الخاصكية من كل جهة ونزعوا ما عليه من السلاح وألقوه إلى الأرض ليذبحوه لولا أن السلطان منعهم من ذلك. فلما كفوا عن ذبحه سجنوه بالزردخاناه السلطانية مقيدًا. ثم قبض على نكباي شاد شرا بخاناه علي باي وقطع قطعًا بالسيوف فإنه أصل هذه الفتنة. وسبب ركوب علي باي على السلطان وخبره أن نكباي هذا كان تعرض لجارية من جواري الأمير آقباي الطرنطائي وصار بينهما مشاكلة فبلغ ذلك آقباي فمسك نكباي المذكور وضربه ضربًا مبرحًا ثم أطلقه. فحنق علي باي من ذلك وشكا آقباي للسلطان فلم يلتفت السلطان إليه وأعرض عنه - وكان في زعمه أن السلطان يغضب على آقباي بسبب مملوكه - فغضب علي باي من ذلك ودبر هذه الحيلة الباردة فكان في تدبيره تدميره. وبات السلطان تلك الليلة بالإسطبل السلطاني ونهبت العامة بيت علي باي حتى إنهم لم يبقوا به شيئًا. وأما علي باي فإنه لما رأى أمره تلاشى ذهب واختفى في مستوقد حمام فقبض عليه وحمل إلى السلطان فقيده وسجنه بقاعة الفضة من القلعة. فلما أصبح النهار وهو نهار الأحد والعشرين من ذي القعدة نزع العسكر السلاح وتفرقوا. وطلع السلطان إلى القلعة من الإسطبل وأخذ على باي وعصره فلم يقر على أحد. وأحضر يلبغا المجنون فحلف علي باي أنه لم يوافقه ولا علم بشيء من خبره وحلف يلبغا أنه لم يعلم بما وقع وأنه كان مع الوزير بمصر. فلما أشيع بركوب علي باي لحق يلبغا المجنون بداره ولبس السلاح ليقاتل عليًا باي فأفرج عنه السلطان وخلع عليه باستمراره على الأستادارية ونزل إلى داره فلم يجد بها شيئًا وجميع ما كان فيها نهبته العامة حتى سلبت جواريه وفرت امرأته خوند بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين وأخذوا حتى رخام بيته وأبوابه وتشعثت داره وصارت خرابًا والدار هي التي على بركة الناصري بيت سونجبغا الناصري الآن. ثم قدم البريد على السلطان من حلب بأن أولاد ابن بزدغان من التركمان والأمير عثمان بن طرعلي المدعو قرايلك تقاتلوا مع القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس فقتل برهان الدين في المعركة وقام من بعده ابنه. ثم في يوم الاثنين حادي عشرين ذي القعدة جلس السلطان بدار العدل وعصر عليًا باي المذكور فلم يقر على أحد. وبينما السلطان في ذلك إذا بهجة عظيمة قامت في الناس فلبس العسكر ووقفوا تحت القلعة وقد غلقت أبواب القلعة. وأشيع أن يلبغا المجنون والأمير آقبغا الطولوتمري المعروف باللكاش أمير مجلس خامرا على السلطان ولم يكن الأمر كذلك. وبلغ اللكاش ذلك فركب من وقته فطلع إلى القلعة. وأما يلبغا المجنون فإنه كان في بيت الأمير فرج فركب فرج المذكور ليعلم السلطان بأنه كان في داره بالقاهرة حتى يبرأ مما رمي به. وطلع في الحال جميع الأمراء فأمر السلطان بقلع السلاح ونزول كل أحد إلى داره وسكن الأمر ونودي بالأمان والاطمئنان. ثم في ليلة الثلاثاء عذب علي باي أيضًا بين يدي السلطان عذابًا شديدًا كسرت فيه رجلاه وركبتاه وخسف صدره فلم يقر على أحد. ثم أخذ إلى خارج وخنق. فتنكرت الأمراء وكثر خوفهم من السلطان خشية أن يكون علي باي ذكر أحدًا منهم من حرارة العقوبة. ومن يومئذ فسد أمر السلطان مع مماليكه الجراكسة. ودخل السلطان إلى زوجته خوند الكبرى أرد وكانت تركية الجنس وكانت تحذره عن اقتناء المماليك الجراكسة وتقول له: " اجعل عسكرك أبلق من أربعة أجناس: تتر وجاركس وروم وتركمان تستريح أنت وذريتك " فقال لها: " الذي كنت أشرت به علي هو الصواب ولكن هذا كان مقدرًا ونرجو الله تعالى إصلاح الأمر من اليوم ". ثم في يوم الثلاثاء أمر السلطان الأمير يلبغا المجنون أن ينفق على المماليك السلطانية فأعطى الأعيان منهم خمسمائة درهم فلم يرضهم ذلك. وكثرت الإشاعات الردية والإرجاف بوقوع فتنة وباتوا ليلة الخميس على تخوف ولم تفتح الأسواق في يوم الخميس فنودي بالأمان والبيع والشراء ولا يتحدث أحد فيما لا يعنيه. ثم أنعم السلطان على الأمير أرسطاي بتقدمة علي باي ووظيفته رأس نوبة النوب وأنعم على الأمير تمان تمر الناصري بإقطاع أرسطاي والإقطاع: إمرة طبلخاناه. ثم في سادس عشرينه نزل الأمير فارس حاجب الحجاب والأمير تمربغا المنجكي أحد أمراء الألوف وحاجب ثاني وقبضا على الأمير يلبغا الأحمدي الظاهري المعروف بالمجنون الأستادار من داره وبعثاه في النيل إلى ثغر دمياط واستقر عوضه أستادارًا الأمير ناصر الدين محمد بن سنقر بإمرة خمسين فارسًا. وأنعم السلطان على الأمير بكتمر جلق الظاهري رأس نوبة بتقدمة ألف عوضًا عن يلبغا المجنون. وفي يوم السبت ثالث ذي الحجة خلع السلطان على أميرين باستقرارهما رؤوس نوب صغارًا وهما: طولو بن علي باشا الظاهري وسودون الظريف الظاهري. وفي يوم الأحد رابع ذي الحجة سمر السلطان أربعة نفر من مماليك علي باي ثم وسطوا. ثم رسم السلطان بإحضار الأمير بكلمش العلائي أمير سلاح كان من سجنه بالإسكندرية وتوجه إلى القدس بطالًا على ما كان للأمير شيخ الصفوي من المرتب. على الله أبو عبد الله محمد العباسي والسلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق بن أنص الجاركسي اليلبغاوي والقاضي الشافعي تقي الدين عبد الرحمن الزبيري والقاضي الحنفي حمال الدين يوسف الملطي والقاضى المالكي ناصر الدين أحمد التنسي والحنبلي برهان الدين إبراهيم بن نصر الله والأمير الكبير أيتمش البجاسي وأمير سلاح تغري بردي بن يشبغا الظاهري أعني عن الوالد وأمير مجلس آقبغا اللكاش الظاهري والأمير آخور نوروز الحافظي الظاهري وحاجب الحجاب فارس الظاهري والدوادار بيبرس ابن أخت الملك الظاهر برقوق ورأس نوبة النوب أرسطاي. ونواب البلاد: صاحب مكة المشرفة الشريف حسن بن عجلان الحسني المكي وأمير المدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - الشريف ثابت بن نعير الحسيني ونائب الشام الأمير تنبك الحسني المعروف بتنم الظاهري ونائب حلب أرغون شاه الإبراهيمي الظاهري ونائب طرابلس يونس الظاهري المعروف بيونس بلطا ونائب حماة آقبغا الجمالي ونائب صفد شهاب الدين أحمد ابن الشيخ علي ونائب غزة بيخجا المعروف بطيفور الظاهري ونائب الإسكندرية صرغتمش القزويني. وجميع من ذكرنا من النواب بالبلاد الشامية وأصحاب الوظائف بالديار المصرية هم مماليك الظاهر برقوق ومشترواته ما خلا نائب صفد وهو أيضًا نشؤه والأتابك أيتمش وقد اشتراه بعد سلطنته حسبما تقدم ذكره أنه اشتراه من أولاد معتق أستاذه. ثم في يوم سابع عشر المحرم المذكور سمر السلطان سبعة نفر من المماليك يقال لأحدهم آقبغا الفيل الظاهري وآخر من إخوة علي باي ظاهري أيضًا الباقي من مماليك علي باي وشهروا بالقاهرة ثم وسطوا. وفيه أيضًا تنكر السلطان على سودون الحمزاوي الخاصكي الظاهري وضربه ضربًا مبرحًا وسجنه بخزانة شمائل مدة ثم أخرجه منها إلى بلاد الشام لأمر اقتضى ذلك. وفي هذا الشهر توغل السلطان وحدث له إسهال مفرط لزم منه الفراش مدة تزيد على عشرين يومًا. ورسم السلطان بتفرقة مال على الفقراء ففرق فيهم فاجتمع تحت القلعة منهم عالم كثير وازدحموا لأخذ الذهب فمات في الزحام منهم سبعة وخمسون شخصًا ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير قاله المقريزي. وفي يوم ثاني عشره رسم السلطان بجمع أهل الإسطبل السلطاني من الأمير آخورية والسلاخورية ونحوهم فاجتمعوا ونزل السلطان من القصر إلى مقعده بالإصطبل السلطاني وهو متوعك البدن لعرضهم وعرضهم حتى انقضى العرض. فأمسك السلطان جرباش الظاهري أحد الأمير آخورية الأجناد وقال له بعد ذلك: " على ماذا تريد قتلي وأنا أستاذك! " فلم ينزعج جرباش المذكور وقال بعد أن أشار بيده إلى حياصته: " أكون أنا لابس حياصة وهؤلاء أمراء! " وأشار لمن حول السلطان من الأمراء من مماليكه " وهم الجميع أقل مني وبعدي شريتهم! " فأشار السلطان بأخذه فأخذ وسجن فكان ذلك آخر العهد به. ثم عرض السلطان الخيل وفرق خيل السباق على الأمراء كما كانت العادة يوم ذلك. ثم عرض الجمال البخاتي كل ذلك تشاغلًا والمقصود القبض على الأمير نوروز الحافظي الظاهري الأمير آخور الكبير. ثم أظهر السلطان أنه تعب واتكأ على الأمير نوزوز ومشى من الإسطبل متكئًا عليه حتى وصل إلى الباب الذي يطلع منه إلى القصر فأدار السلطان يده على عنق نوروز المذكور فبادر الخاصكية إليه باللكم حتى سقط إلى الأرض ثم قبضوا عليه وحملوه مقيدًا إلى السجن. ودخل السلطان من الباب وطلع إلى القلعة. وكان للأمير نوروز ذنوب كثيرة منها الممالأة لعلي باي ومعه أيضًا الأمير آقبغا اللكاش ثم تخاذل نوروز في فتح باب السلسلة للسلطان يوم وقعة علي باي. ثم بعد ذلك بلغ السلطان أن نوروز المذكور قصد الركوب عليه فمنعته أصحابه وأشاروا عليه أن يصير حتى ينتظر ما يصير من أمر السلطان في مرضه فإن مات فقد حصل له القصد من غير تعب ولا شنعة وإن تعافى من مرضه فليفعل عند ذلك ما شاء. وكان ممن حضر هذه المشورة مملوك من خاصكية الملك الظاهر فلم يعجب نوروز ذلك وقرر مع أصحابه من الخاصكية الذين وافقوه أنه إذا كان ليلة نوبتهم في خدمة القصر ودخلوا مع السلطان في القصر الصغير المعروف بالخرجة المطل على الإسطبل السلطاني يثبون عليه بمن اتفق معهم ويقتلون السلطان على فراشه ثم يكسرون الثرية المعلقة بقناديلها الموقدة - يكون ذلك إشارة بينهم وبين نوروز بعد قتل السلطان - فيركب نوروز عند ذلك ويملك القلعة من غير قتال. فأخذ الخاصكية يستميلون جماعة أخر من الخاصكية ليكثر جمعهم وكان من جملة من استمالوه قاني باي الصغير الخاصكي - وأظنه الذي ولي نيابة الشام في دولة الملك المؤيد شيخ والله أعلم - فأجابهما قاني باي بالسمع والطاعة وحلف لهم على الموافاة. ثم فارقهم ودخل إلى السلطان من فوره وقعد لتكبيسه فحكى له القصة بتمامها وكمالها فاحترز الملك الظاهر على نفسه ودبر على نوروز حتى قبض عليه. ثم بعد مدة في يوم السبت رابع صفر خلع السلطان على الأمير آقبغا اللكاش الظاهري بنيابة الكرك وأخرج من ساعته وأذن له بالإقامة بخانقاه سرياقوس حتى يجهز أمره ووكل به الأمير ثم في ليلة الأحد أنزل الأمير نوروز الحافظي من القلعة مقيدًا إلى سجن الإسكندرية ومسفره الأمير أردبغا الظاهري أحد أمراء العشرات. ثم قبض السلطان على قوزي الخاصكي أحد من كان اتفق مع نوروز وسلم إلى والي القاهرة. ثم أنعم السلطان بإقطاع الأمير نوروز الحافظي على تمراز الناصري وصار من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية. وأنعم على سودون المارديني بإقطاع آقبغا اللكاش وهو تقدمة ألف أيضًا. وخلع على الأمير أرغون شاه البيدمري الظاهري باستقراره أمير مجلس عوضًا عن آقبغا اللكاش المذكور. وخلع على سودون المعروف بسيدي سودون قريب الملك الظاهر برقوق باستقراره أمير آخور عوضًا عن نوروز الحافظي. وفي ثالث عشرين صفر أيضًا أملى بعض المماليك السلطانية سكان الأطباق بالقلعة على بعض فقهاء الأطباق أسماء جماعة من الأمراء والمماليك أنهم اتفقوا على إقامة فتنة والقيام على السلطان وكتبها ودخل بها المملوك على السلطان فلما قرئت الورقة على السلطان آستدعى المذكورين وأخبرهم بما قيل عنهم فحلفوا أن هذا شيء لم يسمعوه إلا الآن وحقوا أوساطهم ورموا سيوفهم وقالوا: يوسطنا السلطان أو يخبرنا بمن قال هذا عنا فأحضر السلطان المملوك وسلمه إليهم وضربوه نحو الألف عصا حتى أقر أنه اختلق هذا الكلام عليهم حنقًا من واحد منهم وسمى شخصًا كان خاصمه قبل ذلك. ثم أحضر السلطان الفقيه الذي كتب الورقة وضربه بالمقارع وسمر ثم شفع فيه من القتل وحبس بخزانة شمائل. ولما وصل الأمير آقبغا اللكاش إلى غزة متوجهًا إلى محل كفالته بمدينة الكرك قبض عليه بها وأحيط على سائر ما كان معه وحمل إلى قلعة الصبيبة فسجن بها. ثم ورد الخبر على السلطان في صفر المذكور أن السكة ضربت باسمه بمدينة ماردين وخطب له بها وحملت له الدنانير والدراهم وعليها اسم السلطان. ثم في شهر ربيع الأول في رابعه ورد الخبر على السلطان بموت الأمير أرغون الإبراهيمي الظاهري نائب حلب فرسم السلطان أن ينقل الأمير آقبغا الجمالي الظاهري المعروف بالأطروش من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب وحمل إليه التقليد والتشريف إينال باي بن قجماس ورسم أيضًا باستقرار يونس بلطا نائب حماة في نيابة طرابلس عوضًا عن آقبغا المذكور وتوجه بتقليده وتشريفه الأمير يلبغا الناصري الظاهري. ورسم أن يستقر دمرداش المحمدي أتابك حلب في نيابة حماة وتوجه بتقليده الأمير شيخ المحمودي الساقي رأس نوبة وهو الذي تسلطن فيما بعد. ثم خلع السلطان على الأمير سودون الظاهري المعروف بالظريف في نيابة الكرك. وفي خامس عشر شهر ربيع الأول أنعم السلطان على الوالد بجميع سرحة البحيره وداخلها ثم في سلخ ربيع الأول المذكور أمسك السلطان الأمير عز الدين أزدمر أخا إينال اليوسفي وأمسك معه ناصر الدين محمد بن إينال اليوسفي ونفيا إلى الشام. ثم في يوم الأربعاء أول شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير سراي تمرشلق الناصري أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة بديار مصر باستقراره أتابك العساكر بحلب عوضًا عن دمرداش المحمدي المنتقل إلى نيابة حماة. ثم في عشرينه أنعم السلطان على الأمير علي بن إينال اليوسفي بخبز أخيه محمد وأمير علي هذا هو أستاذ الملك الظاهر جقمق الأتي ذكره وبه عرف بالعلائي. وفيه أنعم السلطان على كل من سودون بن زادة الظاهري وتغري بردي الجلباني ومنكلي بغا الناصري وبكتمر الظاهري وأحمد بن عمر الحسني بإمرة طبلخاناة بالديار المصرية. وأنعم أيضًا على كل من بشباي الظاهري وتمربغا من باشاه وشاهين من إسلام الأفرم الظاهري وجوبان العثماني الظاهري وحكم من عوض الظاهري بإمرة عشرة. ثم في خامس عشرينه طلع إلى السلطان رجل عجمي وهو جالس للحكم بين الناس هيئته كهيئة الصوفية وجلس بجانب السلطان ومد يده إلى لحيته ليقبض عليها وسبه سبًا قبيحًا. فبادر إليه رؤوس النوب وأقاموه ومروا به وهو مستمر في السب فأمر به السلطان فسلم ثم في يوم الخميس سلخه خلع السلطان على تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا الأرمني الأسلمي والي قطيا باستقراره وزيرًا عوضًا عن الوزير بدر الدين محمد بن الطوخي. وفي رابع جمادى الأولى رسم السلطان بإحضار الأمير يلبغا الأحمدي المجنون من ثغر دمياط. ثم في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى المذكور رسم السلطان باستدعاء رئيس الأطباء فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي وخلع عليه باستقراره في كتابة السر بعد موت القاضي بدر الدين محمود الكلستاني. وكان نفيس جد فتح الله هذا يهوديًا من أولاد نبي الله داود عليه السلام. وفي رابع عشرينه خلع السلطان على الأمير فرج الحلبي أستدار الذخيرة والأملاك باستقراره في نيابة الإسكندرية. ثم في يوم الاثنين ثامن شهر رجب رسم السلطان بانتقال الأمير جقمق الصفوي حاجب حجاب حلب إلى نيابة ملطية بعد عزل دقماق المحمدي الظاهري وجهز تقليده على يد مقبل الخازندار الظاهري. ثم في حادي عشرين شهر رجب المذكور خلع السلطان على الشيخ تقي الدين المقريزي المؤرخ باستقراره في الحسبة بالقاهرة عوضًا عن شمس الدين البجاسي. ثم في خامس عشرينه أعيد قاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي إلى قضاء الشافعية بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن الزبيري. وفي هذه الأيام أعيد أيضًا يلبغا المجنون إلى وظيفة الأستدارية بعد عزل ناصر الدين محمد بن سنقر واستقر ابن سنقر أستادار الذخيرة والأملاك عوضًا عن فرج المنتقل إلى نيابة الإسكندرية. ثم كتب السلطان للأمير تنم الحسني نائب الشام بالقبض على الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ على نائب صفد وعلى الأمير جلبان الكمشبغاوي الظاهري المعروف بقراسقل أتابك دمشق فورد مرسوم السلطان على تنم وهو بالغور فاستدعى نائب صفد المذكور وقبض عليه ثم قبض على الأمير جلبان المذكور وبعث بهما إلى قلعة دمشق فسجنا بها. ورسم السلطان بنقل الأمير ألطنبغا العثماني الظاهري من حجوبية دمشق إلى نيابة صفد ونقل الأمير بيخجا الشرقي المعروف بطيفور نائب غزة منها إلى حجوبية دمشق ونقل ألطنبغا الظاهري نائب الكرك كان إلى نيابة غزة. ثم في تاسع شعبان خلع السلطان على كمال الدين عمر بن العديم باستقراره قاضي قضاة حلب بسفارة الوالد. ثم في رابع عشرين شهر رمضان كتب السلطان بالإفراج عن الأمير شهاب الدين أحمد ابن الشيخ علي من محبسه بقلعة دمشق واستقراره أتابك العساكر بها عوضًا عن الأمير جلبان قراسقل. ثم في سابع عشرينه أخرج الأمير علاء الدين علي بن الطبلاوي من خزانة شمائل وسلم للأمير يلبغا المجنون الأستادار. ثم قدم الخبر على السلطان بموت الأمير الكبير كمشبغا الحموي بسجن الإسكندرية فابتهج السلطان بموته ورأى أنه قد تم له أمره فإنه آخر من بقي من اليلبغاوية الأمراء. وأصبح من الغد في يوم الجمعة وهو أول شوال صلى صلاة العيد بالميدان على العادة ثم صلى الجمعة بجامع القلعة فتفاءل الناس بزوال السلطان كونه خطب بمصر في يوم واحد مرتين. قلت: وهذه القاعدة غير صحيحة فإن ذلك وقع للملك الظاهر جقمق في أول سنين سلطنته ثم وقع ذلك في سلطنة الملك الأشرف إينال.
|